-
اخر المواضيع |
| ||||||||||||||||
عــلم الحشرات الجنائي (1) القتل جريمة بشعة، وهو من أكبر الكبائر التي حرمها الله - تعالى - فمن قتل نفساً بغير حق فكأنما قتل الناس جميعاً، ولكن مع الأسف تنتشر الجرائم في كل المجتمعات البشرية تقريباً منذ قتل قابيل أخاه هابيل، ولا تزال مستمرة إلى الآن، ومنذ أن بدأنا نقتل بعضنا البعض، والتحقيق في الجرائم في تطور مستمر، غير أن معركة التقنية ضد الجريمة لا تزال محدودة، ولكن في الآونة الأخيرة قام فريق صغير من الرواد بتطوير سلاح جديد. الفكرة تقول: إن المحققين البارعين الذين لا يخطئون في الغالب، كانوا موجودين وأعدادهم اليوم تفوق أعداد محاربي الجرائم بالمليارات. في القرن التاسع عشر قام فريق من البريطانيون الهواة في علم التاريخ الطبيعي بتجميع مجموعات من كل فصيلة، وقد تحددت أسس معرفتنا الإحيائية من خلال هاجسهم في جمع بيانات عن كل مخلوق وفصيلة ونوع. في متحف في لندن للتاريخ الطبيعي مجموعة تتألف من ثلاثين مليون حشرة هي الأكبر في العالم، وقد بدأت دراسة الحشرات من هنا. سرعان ما انتقل علماء الحشرات من التجميع إلى المراقبة، كشفت الحشرات عن أنها الأكثر نظاماً بين أنواع كثيرة من المخلوقات الحية، نحن نعرف منذ زمن طويل أن بداية عمر الكثير من الحشرات تبدأ مع موت حيوان آخر. هذه العلاقة الخاصة مع الموت متوقعة، ولكننا تجاهلناها منذ وقت طويل. علاقة البشر مع الموت غير متوقعة، ولطالما تطلب التحقيق في جرائمنا حدوداً موضوعية للعلم. لقد استخدم علم تحليل الجريمة كل ما يمكن للعلوم أن توفره لنا، ولكن لهذا العلم حدود، في الواقع هناك عوامل أساسية في أي جريمة، ما زال علم القرن الواحد والعشرين لا يستطيع اختراقها. ومع كل التقنية المتوفرة من المستحيل أن يحدد الطب الشرعي وقت الوفاة لجثة مضى على موت صاحبها أكثر من اثنتين وسبعين ساعة. فبالنسبة لجثة ممدة منذ أيام عديدة، أفضل ما يمكن للطبيب الشرعي أن يقوم به هو تقدير الوقت الذي ارتكبت فيه الجرمية، إلا أن فرعين من المعرفة اجتمعا على مدى المائة سنة الماضية، وهما علم الحشرات، وعلم تحليل الجريمة، لكن هذين الفرعين المهمين لم يحرزا تقدماً في حل ما لم يُحل بعد. لدراسة ما يحصل لجثة بشرية بعد موت صاحبها أو قتله يجري العلماء مثل الدكتورة جينارد أبحاثاً على الخنازير؛ لأن جثة أي حيوان ميت هي محور اهتمام بعض الحشرات. أول من يحضر إلى الجثة من الحشرات بعد دقائق من الموت، هي الذبابة المنزلية العادية، وهي ستحدد بسرعة ما إذا كانت الجثة مكاناً مناسباً لوضع بيضها، وإن كان مصدراً جيداً لغذاء اليرقات بعد التفقيس، وهي على وشك أن تقوم بعملية لها أهمية أساسية بالنسبة لعالم الحشرات الجنائي. عندما تضع الذبابة بيضها يبدأ توقيت الساعة الحيوية، وهو الفترة الزمنية المطلوبة لنمو البيضة لتصبح يرقة، ومن ثم ذبابة راشدة وهي فترة زمنية معلومة. عادة ما تستغرق عشرة أيام، يمكن لعوامل كالحرارة أن تؤثر على هذه العملية، ولكن بتحديد مرحلة نمو الحشرة يمكن للخبراء أن يقدروا عمرها، ويربطوها بالفترة الزمنية لموت صاحب الجثة. إذا ما وُجدت جثة مغطاة باليرقات يمكننا عندئذ تحليل وتحديد نوع اليرقات، ويمكننا تحديد عمر هذه اليرقات، وبالتالي تحديد الوقت الذي استعمرت فيه الجثة. تعطينا مخلوقات مثل الذباب الفرصة لتحديد وقت الموت، وإن كان متأخراً. إن عالم الأمراض يستطيع تحديد وقت الموت بدقة إذا لم يمضِ عليه اثنتان وسبعون ساعة، ومن هنا يستطيع عالم الحشرات زيادة بُعد إضافي. وبدراسة الطبيعة الحيوية لحركة الحشرة، يمكن اكتشاف العديد من الأدلة المتعلقة بوقت الموت. أعتقد من الناحية النظرية أنه يمكننا تحديد عمر اليرقة في غضون ربع ساعة. هذا جيد في المختبر ولكن كيف يكون ذلك على أرض الواقع. الدكتور زكريا إرزن جوكلو هو أبرز علماء الحشرات الجنائيين في بريطانيا، وقد أسهم في حل أكثر من خمسمائة قضية جنائية خلال 27 عاماً. القضية الشائعة التي لم يستطع علم التحليل الجنائي التقليدي حلها، هي قضية الجثة الموجودة في المنزل المغطى، جريمة أم حادث؟ عُثر على جثة رجل مسن ممدد على السرير، كانت جثته مليئة باليرقات، لم يكن له أقرباء أو أصدقاء, وبالفعل لم يعلم أحد بوجوده هناك، ما عدا الحشرات. الدكتور زكريا: كان مريضاً، ومن الواضح أنه لم يتمكن من الاعتناء بنفسه، وربما كان يحتضر أو غائباً عن الوعي، نحن لا نعرف، السؤال كان: هل مات قبل تغطية المنزل بالألواح الخشبية؟ أم بعد ذلك؟ كانت الشرطة والدكتور زكريا في مواجهة جثة في موجودة في قبر مقفل، وتحديد وقت الوفاة قد يعني قضية قتل أو حادث مأساوية. الدكتور زكريا: اليرقات كانت على الجثة، وطلبت من أحد عناصر الشرطة عينة منها. وحصل اكتشاف مذهل بعد تحول اليرقات إلى ذباب. الدكتور زكريا: الذباب في هذه القضية كان من نوع الذباب الأخضر وهو ليس من النوع الذي تجده عادة في المنازل، وهو لا يدخل البيوت إلا في حال وجود جثة، ولكن من المستبعد أن تكون الجثة قد أحضرت من مكان آخر. لا يوجد أي دليل على دخول أي أحد ووضعه للجثة هناك، ومن ثم تغطيته للمنزل من جديد، كانت هناك نقاط دخول معينة للذباب. حشرات الدكتور زكريا والذباب الأخضر ومراحل نموه منذ وضع البيض إلى التفقيس وحالة البلوغ، والمزيد من وضع البيض أثبتت جميعها أن القضية لم تكن جنائية، بل كانت أسوأ من ذلك. الدكتور زكريا: أظهرت سن اليرقات الموجودة على الجثة أن أقل تقدير لوقت الوفاة كان بلا شك قبل تاريخ تغطية المنزل بالألواح. يمكننا الاستنتاج أنه في الحقيقة مات بعد وقت قليل من تغطية المنزل بالألواح الخشبية. كان على قيد الحياة، ومات هناك دون أن يتمكن من لفت الانتباه إليه، وهذه نهاية مفجعة لحياة إنسان. يمكن للحشرات أن تخبرنا وقت الوفاة بالتحديد ولكن نموها يتأثر جذرياً بسبب عامل الحرارة، لذا فإن المعلومات التي تعطينا إياها في بعض الأحيان لا تكون دقيقة. يستنتج عمر اليرقة من خلال تقدير طولها أو وزنها، ومن ثمَّ ربط ذلك بالحرارة التي كانت تنمو فيها، وهذا سهل نسبياً إذا ما كانت لديك درجة حرارة عادية ثابتة، ولكن بطبيعة الحال عندما تكون هناك جثة لن يكون بجانبها ميزان حرارة يخبرك بما كانت عليه درجة الحرارة عند موتها. تم النشر بقلم :انور زياية |
توقيع : انور زياية |
|