كانت قصة النبي يوسف عليه السلام و ما زالت مصدراً لاستخلاص العبر و فهم أطوارالنفوس و إلهاما للمفكرين و المربين و تعليماً للآباء خطر التفرقة بين الأبناء فيإظهار الحب و التعلق و قد وصف ربنا سبحانه هذه القصة بأنها ( أحسن القصص ) و هيمليئة بالأحداث و فيها تفوق غير مسبوق و رقي ليس له مثيل كل عناصر القصة من الناحيةالأدبية ( 1 ) و فيها أيضاً ذكر لقميص سيدنا يوسف في ثلاثة مواضع هامة من سياقالقصة و كلها فيها إشارات بليغة و موحية و في مجملها تضع قميص يوسف الصديق عليهالسلام رمزاً واضحاً للصدق الناصع في مواجهة الكذب و الباطل و يعنينا في هذا البحثقوله تعالي في وصف المكيدة التي دبرها أخوة يوسف لإقصائه من طريقهم إلي قلب أبيهم :و جاءوا علي قميصه بدم كذب . ( يوسف 18) و سوف نتناول في هذا البحث محاولة لفهم هذه الآية في ضوء العلوم الحديثة مرتكزينعلي المحاور الآتية : 1-أقوال المفسرين2-ما جاء في العهد القديم ( التوراة ) في نفس السياق.3-إيضاح أبرز المعارف العلمية الحديثة المتعلقة بالآية.4-استجلاء وجه الإعجاز العلمي في الآية الكريمة.
أولاً : أقوال المفسرين
جاء في تفسير القرطبي ( 2 ) في قوله تعالي) : و جاءوا علي قميصه بدم كذب. (يوسف 18فيه ثلاث مسائل : الأولي : بدم كذب أي بدم مكذوب فيه فصار تقديره : بدم ذي كذب . الثانية : لما أرادوا أن يجعلوا الدم علامة علي صدقهم قرن الله بهذهالعلامة علامة أخري تعارضها و هي سلامة القميص من التنييب إذ لا يمكن افتراس الذئبليوسف و هو لابس القميص و يسلم القميص من تانخريق ، و لما تأمل يعقوب عليه السلامالقميص فلم يجد فيه خرقاً و لا أثراً استدل بذلك علي كذبهم و لذا جاء رده عليهم فينفس الموضع)بل سولت لكم أنفسكم أمراً فصبر جميل و الله المستعان علي ما تصفون) (يوسف 18)الثالثة : استدل الفقهاء بهذه الآية في إعمال الأمارات في مسائلمن الفقه و أجمعوا علي أن يعقوب عليه السلام استدل علي كذبهم بصحة القميص و هكذايجب علي الناظر أن يلحظ الأمارات و العلامات إذا تعارضت فما ترجح منها قضي بجانبالترجيح ، و هي قوة التهمة ، و لا خلاف بالحكم بها .و جاء في تفسير الطبري ( 3 ) أن رد يعقوب عليه السلام(و الله المستعان عليما تصفون)أي علي ما تكذبون .
ثانياً : ما جاء في التوراة في نفس السياق
ورد في سفر التكوين ( 4 ) أن يعقوب عليه السلام عندما رأي القميص قال ( وحش رديءأكله . افترس يوسف افتراساً . فمزق يعقوب ثيابه و وضع مسحاً علي حقويه و ناح عليابنه أياماً كثيرة . فقام جميع بنيه و جميع بناته ليعزوه . فأبي أن يتعزى و قال إنيأنزل إلي ابني نائحاً إلي الهاوية . و بكي عليه أبوه . و يظهر في ذلك العرض للموضوعأنه قد انخدع بهذه الحيلة الساذجة التي لا تنطلي علي أحد فضلاً عن الجزع الشديدالذي لا يتفق مع مقام النبوة مما هو شائع في التوراة من اتهام الأنبياء بأنواعالكبائر و النقائص التي يترفع عنها عامة الناس .