إنه يوم الاثنين الواقع فيه التاسع عشر من تموز يوليو عام 99، الساعة هي الحادية عشر وأربع وخمسون دقيقة، وأنا المحقق كيف هاربي في مخزن الذخيرة في هاريج.
الدكتور هال: تلقيت اتصالاً من شرطة إسيكس صبيحة يوم اثنين من شهر تموز يوليو عام 99 يطلبون مني الحضور لإلقاء نظرة على جثة كانوا قد وجدوها في مخزن قديم للذخيرة. في الوقت الذي عُثر عليها كانت حالة الجثة قد تغيرت، وكان من الممكن الشروع بتحقيق جنائي، كان هناك الكثير من الذباب واليرقات عليها، كانت الحرارة في تلك الغرفة السفلية مستقرة، وقد شكل هذا بطريقة أو بأخرى بيئة حرارية شبيهة بالبيئة الحرارية التي نربي فيها اليرقات في المختبر، لو وجدوا الجثة في الخارج لكان من الصعب تقدير درجات الحرارة بسبب التقلبات.
أدرك الدكتور هال أنه يستطيع إعطاء جواب للشرطة؛ لأن الحرارة كانت ثابتة، وكان موقع الجريمة يشبه المختبر، وبالتالي يمكن لعلم الحشرات الجنائي أن يعطي أجوبة دقيقة. الدكتور هال: كانت اليرقات في مراحل مختلفة، وكان هناك بيض أيضاً، وبطبيعة الحال اليرقات الأكبر حجماً هي الأكثر فعالية لمحاولة تحديد مدة وجود الجثة في المكان؛ لأنها ستكون الأكبر سناً، وكان أول عمل قمنا به عندما أخذنا اليرقات إلى المتحف هو ترك جزء منها ينمو لتأكيد المطابقة، وقمنا بقتل الجزء الآخر لقياس أطوالها والحصول على تقدير لعمرها بناءً على درجة الحرارة تلك، وعندما أخذنا قياس اليرقات وعرفنا أعمارها وجدنا أن اليرقات الأكبر سناً كانت بعمر ستة أيام، وفي الوقت الذي أجرينا فيه هذه الدراسة لم تكن الشرطة تعلم الوقت الذي بقيت فيه الجثة في المكان، فساعدهم دليلنا كثيراً في تحديد الإطار الزمني الذي يحتاجونه لإجراء تحقيقاتهم. واكتشف لاحقاً في سياق التحقيق أن الحادث كان انتحاراً.
إذن يمكن لعلم الحشرات الجنائي تحديد وقت الوفاة، وهو دقيق جداً لدرجة أنه يعرف كيف تؤثر الحرارة على الأدلة، ويمكنه أيضاً أن يخبرنا بمكان موت الضحية.
اكتشفت الجثة في أواخر شهر تشرين الأول نوفمبر. **** عثرت الشرطة في إحدى الغابات على جثة فتى في الرابع عشرة من عمره يدعى جيسون سويف. من الممكن حل القضية إذا عرف المكان الذي مات فيه جيسون، وقد حددت أدلة علم الحشرات أن موت جيسون لم يكن في الغابة. طبيب شرعي : ذهبت إلى المكان بعد بضعة أيام وكانت الجثة قد سحبت وأخذت إلى المشرحة. فذهبت إلى هناك وأجريت بعض الفحوصات على الفتى.
وجد أن جثة جيسون تحتوي على عدد من اليرقات.
طبيب شرعي : عندما اختبرت اليرقات وجدت أنها يرقات في الطور الثاني من نموها بعد التفقيس. هذه مرحلة مبكرة جداً، والحرارة كانت منخفضة جداً، وكان الثلج يتساقط. بقيت درجة الحرارة ست درجات تحت الصفر لمدة أسبوعين قبل اكتشاف الجثة، ولا يمكن للذباب أن ينشط في مثل هذه الحرارة المتدنية، ولكن اليرقات يمكنها ذلك. من المؤكد أنه لم يقتل في الغابة، أو على الأقل لم تترك جثته في الخارج بعد موته، لعله بقي داخل المنزل مدة معينة، جاء خلالها الذباب الأخضر ووضع بيضه على الجثة ومن ثم نقلت الجثة إلى الغابة.
وحده علم الحشرات الجنائي أمكنه تقديم المعلومات الأساسية، وكان ذلك كافياً لبدء تحقيق أدى في نهاية الأمر إلى اكتشاف مكان وقوع الجريمة، وسجن القتلة الأربعة. طبيب شرعي : يميل الناس للتفكير بأن علم الحشرات الجنائي يتعلق فقط باليرقات والجرائم، ولكن هناك الكثير من الحالات التي يمكن للحشرات المساعدة بها، كانت هناك قضية مهمة احتجزت فيها كمية من الحشيشة في نيويورك وبمساعدة بعض الأشخاص الذين يعملون على الخنافس في المتحف، تم التعرف على الحشرات الموجودة على الحشيشة. ومن خلال المعرفة المسبقة بأماكن انتشارها، حدد مصدرها بمنطقة تينا سيرين في بورما أو مينامار. وبالتالي واجه المتهمون عقوبة شديدة نتيجة استيرادهم للحشيشة.
مثل هذه القضايا الجنائية توسع من حدود علم الحشرات الجنائي، ولكن ما يدعوا للسخرية هو أن هذا العلم يواجه اليوم معركة الاعتراف به في بريطانيا بلد المنشأ لهذا العلم. طبيب شرعي : لقد تخطينا ذلك الشعور بعدم أخذ هذا العلم على محمل الجد، ولكني في بعض الأحيان أتلقى بعض الرسائل التي تصفي بالدجال والمزيف، كيف لي أن أقنع أي شخص أن اليرقة تستطيع أن تخبر بوقت حصول الوفاة؟ لقد حاضرت الشهر الماضي أمام مجموعة من الأطباء والمحامين الذين قال لي بعضهم بعد انتهاء المحاضرة: يا إلهي لم يخطر لي أبداً أنه يمكن للحشرات أن تكون لها صلة وثيقة بالقضايا الجنائية.
وفي أميركا أيضاً خاض علماء الحشرات الجنائيون معركة مشابهة للاعتراف بهم، وربحوها. عالم أمريكي: قوبل في بداية الأمر بالقليل من التشكيك، أعتقد أن الناس فكروا أن هذا أمر غريب ظنوا أني مجنون، فهم ينظرون إليك بطريقة غريبة عندما تطلب إلقاء نظرة على اليرقات الموجودة على الجثث في المشرحة.
البروفيسور ليجوف هو عالم الحشرات الجنائي الرئيسي في أميركا، مع خبرة تزيد على العشرين سنة في استخدام هذا العلم لحل الجرائم. البروفيسور ليجوف : أظن أني التقيت بليلي أول مرة في موقع خارجي كان فيه رجل مضى على موته وقت طويل, قيل لي: إن عالم الحشرات الجنائي قادم، فيأتي هذا الرجل على دراجته النارية ويبدأ بجمع الحشرات واليرقات والشرانق وغيرها من الحشرات. بصراحة أنا لا أعتقد أن الكثير من الناس كانوا يصدقون ذلك، ولكن بعد أن ظهرت نتائج لي وتطابقت مع النتائج التي ظهرت من خلال التحقيقات التقليدية، أدركنا أن لدى هذا الرجل شيئاً مهماً.
كان الدكتور جروب أول من علم مادة علم الحشرات الجنائي في جامعة شاميناد بهاواي لجيل جديد من العلماء، وقد وضعت أبحاثه هذا العلم أمام آفاق جديدة. البروفيسور ليجوف: إن كل ما نفعله في تقدير وقت الوفاة يعتمد على فكرة أن هذه الحشرة ستنمو بشكل طبيعي في ظروف حرارية ومناخية معينة. وإذا حصل فجأة أن ظهرت مادة تغير معدل النمو فعليك أن تعرف ما هي.
المخدرات لا تؤثر في الشخص الذي يتعاطاها وحسب، بل إنها تؤثر في الحشرات التي تقتات على جسده بعد موته.
البروفيسور ليجوف: إذا استهلك أحد ما مخدراً مثل الكوكايين فستحتوي أنسجته على هذه المادة، وعندما تقتات الحشرة منها سوف تأكل الكوكايين وسوف يؤثر ذلك على طريقة عمل خلايا الحشرة. ما قمنا به هو إجراء الاختبارات على عدد من هذه المواد، فعلى سبيل المثال يزيد الكوكايين من معدل نمو بعض الحشرات، من جهة أخرى يقلل الهروين من هذا المعدل.
غالباً ما تزود الحشرات العلماء بالدليل المتبقي في حالات الموت بالمخدرات. البروفيسور ليجوف: يحصل في كثير من الأحيان أننا نعثر على جثة لم يبقى منها ما يمكن الاستفادة منه لإجراء تحليل للسموم؛ لأن الأنسجة العادية تكون قد اختفت، ولكن ما نفعله هو أننا نأخذ الحشرة ونستخدمها كعينة بديلة، ونكتشف ما إذا كان الميت تحت تأثير المخدر أم لا.
عندما وجدت شرطة هونولولو جثة محنطة لامرأة شكوا بأن سبب الوفاة هو جرعة مخدرات زائدة، لم يستطع علم الأمراض التقليدي التوصل لأي دليل، فقد تحللت الجثة بالكامل، لكن كانت الحشرات قادرة على استنتاج كيفية موت المرأة. البروفيسور ليجوف: على ما يبدو أن الجثة قد وجدت في حالة من التحنط من قِبَل عميل صفقات عقارية كان قد حضر إلى المكان ووجد الجثة وهي لا تزال جالسة تشاهد التلفزيون الذي كان لا يزال مشتعلاً. إذا صحت نظريات البروفيسور ليجوف فهذا يعني أن الحشرات التي استهلكت الجثة ستحتوي أيضاً على المخدر الذي قتل تلك المرأة. البروفيسور ليجوف: تمكنا من أخذ مواد من جلود الخنافس، واكتشفنا العلاقة المتبادلة. إن كانت المخدرات قادرة على القتل فكذلك المسدسات والسكاكين، ومرة أخرى إذا كانت الجثة في حالة متقدمة من التحلل وصولاً إلى الهيكل العظمي يمكن لعلم الحشرات الجنائي أن يخبر الشرطة ما إذا كانت الضحية قد ماتت ميتة عنيفة أم لا. البروفيسور ليجوف: يحصل ذلك في أوقات كثيرة خلال تحديد وجود الجروح، لنقل: إن الجثة قد تحللت لمدة طويلة، فلا يمكنك معرفة ما إذا كانت تحتوي على مجموعة من الطعنات أم لا.
لدينا نموذج طبيعي للغزو. عندما تعثر ذبابة ما على إحدى الجثث فإنه ستبحث عن مكان مناسب لوضع بيضها بما في ذلك الفتحات كالفم والأنف وما إلى ذلك، ولكن إذا كان الشخص قد أصيب بجروح نتيجة عيار ناري أو طعنة سكين فمن المرجح أن تضع الذبابة بيضها في موضع الجرح. عندما ترى شيئاً غير طبيعي كأن تصبح راحة اليدين فجأة مركزاً لحركة الحشرات هذا غير طبيعي، لابد أن شيئاً قد حل بها. الذبابة لن تضع بيضها هناك، ولن تتمكن اليرقات من اختراق الجلد، فسنرى في الغالب هذا الغزو المستمر المرتبط بالجراح الدفاعية. هذا هو الجيل الأول الذي التهم الجثة. المشوق هو أنه على الرغم من المعرفة الكثيرة عن مراحل البلوغ عند الذباب فإن مراحل النمو بما في تلك اليرقات ليس معروفة بالكامل، لذلك هناك الكثير من البحوث من أجل تطوير معرفتنا بهذه المراحل، من خلال علم التشكيل والنظر في مجهر كهذا، وباستخدام الأساليب الجزئية الحديثة. ربح علم الحشرات الجنائي معركته ونال الاعتراف الذي يستحقه، وستستمر الأبحاث العلمية. أصبحت الشرطة والمحاكم تقبل مدلولاته، وربما سيصبح علماً شائعاً لدرجة أن عناصر الشرطة سيتمكنون من تحليل العينات على الأرض بأنفسهم.
التمكن من تحديد اليرقات من الحمض النووي مفيد جداً، إذا تطور ذلك وأصبح متاحاً داخل عدة ميدانية مثلاً وأعتقد أن هذا لا يزال بعيداً فسيكون أسهل على عناصر الشرطة الموجودين في مسرح الجريمة، الإجابة عن الأسئلة بشكل أسرع مما نقوم به نحن اليوم. قد نتمكن من التعرف على الجثث بواسطة الحمض النووي من خلال ما أكلته اليرقات لا أدري ولكن لا أعتقد أن أي شيء مستحيل. لدينا طلاب اليوم يقومون بالتحقيق في أشياء لم يفكر بها سابقاً. لم نصل إلى النهاية بعد، لا يزال هناك الكثير من العمل. أحب أن أفكر بأن تطور علم الحشرات الجنائي يُصَعِب على المجرمين الإفلات بجرائمهم، وبالطبع فإن أكثر المجرمين وأكثر الناس لم يسمعوا بعد بعلم الحشرات الجنائي.